كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نقول لهم: إن الله موجود في كل لغة؛ وبما أن المعنى في اللغة يوجد أولًا. فوجود الله سبحانه وتعالى سابق لمعرفتنا باسمه سبحانه وتعالى؛ لأن الاسم لا يمكن أن يوجد إلا بعد أن يوجد المعنى، وما دمت قد نطقت بالاسم، فهذا دليل على أن الله موجود. إذن: فقولك: إن الله غير موجود باطل؛ لأنك ما دمت قلت: الله، ووجد لفظ الجلالة في لغتك؛ فلابد أن الله سبحانه وتعالى موجود قبل وجود لفظ الجلالة. والكفر طرأ على اللفظ، فحاول أن يستره؛ ولذلك سمى الكفر سترًا لوجود الله والستر لا يكون إلا لموجود.
إذن: فبالتخاطب توجد المعاني أولًا ثم توجد لها الألفاظ؛ ولذلك قبل أن يتم اختراع التليفزيون لم يكن المعنى موجودًا، وعند اخترع وفهمنا معناه وضع له الاسم. فإذا وجدت لفظًا في اللغة، فعلم أن المعنى قد وجد أولًا قبل أن يوضع اللفظ أو الاسم، ولعل هذا هو أكبر دليل لغوي ضد من ينكرون وجود الواجد الأعلى.
نقول لهم: إن الله موجود في كل لغة؛ وبما أن المعنى في اللغة يوجد أولًا. فوجود الله سبحانه وتعالى سابق لمعرفتنا باسمه سبحانه وتعالى؛ لأن الاسم لا يمكن أن يوجد إلا بعد أن يوجد المعنى، وما دمت قد نطقت بالاسم، فهذا دليل على أن الله موجود. إذن: فقولك: إن الله غير موجود باطل؛ لأنك ما دمت قلت: الله، ووجد لفظ الجلالة في لغتك؛ فلابد أن الله سبحانه وتعالى موجود قبل وجود لفظ الجلالة. والكفر طرأ على اللفظ، فحاول أن يستره؛ ولذلك سمى الكفر سترًا لوجود الله. والستر لا يكون إلا لموجود.
إذن: فالذي كفر، ستر موجودًا؛ فأعطى دليل الإيمان؛ لأنك أيها الكافر- والعياذ بالله- تعرف لفظ الله في لغتك، ولو لم يكن الله موجودًا ما وُجد لفظ الله سبحانه وتعالى في اللغة.
إذن: فوجود الله سابق لمعرفتنا اسم الله، ومحاولة ستر ذلك بالكفر إنما هي دليل على وجود الله، لأنك لا تستر إلا ما هو موجود.
ولفظ الجنة في القرآن الكريم أطلق على معان كثيرة، في قوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجنة إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] وقوله جل جلاله: {جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ...} [الكهف: 32].
إذن: فالجنة أطلقت في القرآن على المكان الذي فيه زروع وثمار وأشجار، فهو يحجب من دخله، أو يمنع الإنسان بالخير الذي في داخله من الحاجة للخروج إلى مكان آخر؛ لأن فيه كل مقومات الحياة. وحين يريد الحق سبحانه وتعالى أن يبشرنا بشيء في الآخرة، لابد أن يشبهه لنا بشيء نفهم معناه في الدنيا؛ لأن اللغة مكونة من ألفاظ وأسماء سبقتها مَعَانٍ حتى نستطيع أن نفهمها، ولذلك إياك أن تفهم أن جنة الدنيا هي جنة الآخرة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يستخدم اللفظ الذي تفهم أنت معناه. ولكن جنة الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولكن من أين نأتي بالألفاظ التي يمكن أن تعبر لنا عن ذلك؟ إن اللفظ لا يوجد إلا إذا كان المعنى موجودًا أولًا، ومن يستطيع أن يأتي بلفظ لم تره عين، ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر؟ مستحيل؛ لأن المعنى غير موجود.
ولذلك ينبهنا الحق سبحانه إلى هذه النقطة، ويوضح لنا أنه يعطينا معنى تقريبيًّا حتى نستطيع أن نفهمه؛ فيقول سبحانه وتعالى: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون...} [محمد: 15].
أي: أنها ليست هي، ولكنه مثل فقط؛ يقرب المعنى إلى ذهنك. خذ صورة من المجتمع الذي تعيش فيه، أنت تحتاج إلى مسكن لتسكن وتستريح فيه من عناء الحياة. وهناك من عنده مسكن من حجرة واحدة، فإذا ترقى يكون المسكن من حجرة وصالة أو حجرتين وصالة، ثم بعد ذلك يزداد الرقي، فيبحث عن شقة واسعة، فإذا ارتقى كان له مسكن خاص (فيلا)، فإذا ارتقى جعل حول مسكنه حديقة، وهكذا يزداد الرقي.
إذن: فالمسألة لم تَعُدْ مكانًا تأوي إليه فقط، بل ترتقي في الإيواء كلما ارتقيت في الحياة. فتتحقق لك المتعة في الإيواء، وهذا موضوع آخر.
ولهذا يقول الحق سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} أي: هناك جنات وهناك مساكن؛ لأن الإنسان يحب في بعض الأوقات أن يجلس بمفرده وحوله المتعة التي تخصه، وفي أحيان أخرى يحب أن يجلس مع الناس في مكان جميل؛ مثلما يحدث في الأعياد والمناسبات، عندما نخرج إلى الحدائق والبساتين، ونجلس معًا، فكأن الجنات هي للرفاهية الزائدة؛ عندما تحب أن تجتمع مع الناس؛ أتمتع بها أنا وأنت وغيرنا. أما المساكن فهي للخصوصية. فيكون لكل واحد مكان خاص يجلس فيه ويتمتع بما حوله.
إذن: فالجنات صورة من البساتين، ولكنها ليست مصنوعة بالأسباب، بل هي من صناعة المسبب جل وعلا.
ونحن حينما نذهب إلى بيت إنسان ثري، قد نجد أن للبيت حديقة؛ يشرف عليها بستاني متمكن من عمله؛ ويقوم بتنسيق الزهور والأشجار بشكل يناسب ثراء المالك. ويكون إعجابنا في هذه الحالة بالحديقة إعجابًا كبيرًا، بحيث نجلس فيها، ونكره أن نغادرها، فإذا كان هذا هو ما يحدث بقدرات البشر، فكيف بهذه الحقائق التي صُنعت بقدرة الله سبحانه وتعالى؟ وكيف يكون جمالها وحلاوتها والمتعة فيها؟
إن الذي وعدنا بهذه الجنات هو الحق سبحانه وتعالى. وهو قادر على أن ينفذ ما وعدنا به، من جنات فيها من الكماليات والرفاهية مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وجعل هذه الجنات واسعة شاسعة، فيها زروع وأزهار وأشكال؛ تسرُّ العين بجمالها، وتمتع اللمس بنعومتها؛ وتملأ الأنوف برائحتها الزكية. ومن ميزات جمالها أن الأنهار تجري من خلالها، ولكنها لا تجري من فوقها بل تجري من تحتها، ومنابعها من مكان آخر، أو تحتها، ومنابعها ذاتية، أي ينبع من نفس المكان. وكأن كل نهر ينبع من تحت جنة خاصة به. وإذا أردت أن تعرف جمال هذه الأنهار؛ فهو جمال قد صنعه الحق سبحانه وتعالى.
وإذا كنا في حياتنا نرى أن لكل نهر شاطئين، فإن أنهار الجنة تجري من غير شواطئ؛ وإنما يمسكها الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض، ثم تجد الأنهار قد تشترك في المجرى؛ نهر اللبن، ونهر العسل، ونهر الماء، ونهر الخمر، وكلها تجري في مجرى واحد ولكنها لا تختلط ببعضها البعض، فكل منها منفصل؛ لأن الحق سبحانه وتعالى هو الصانع وتبارك من صنع.
ويعطينا سبحانه وتعالى بعد كل ذلك، ميزة الخلود في هذه الجنات فيقول: {خَالِدِينَ فِيهَا} ونحن نعلم أن المتعة في الدنيا قد توجد للإنسان، ولكنها لا توجد خالدة أبدًا؛ فقد تزول عنك النعمة وتذهب المتعة؛ كأن تصاب بكارثة مالية مثلًا أو تخسر خسارة كبيرة في تجارتك أو غير ذلك، وقد تزول أنت عن النعمة بالموت.
ولكنك في جنات الآخرة تستمتع بقدر ما فيها من كمال وجمال، ويزيدك الله فيها بأن يعطيك الخلود، فلا تفارق النعمة ولا تفارقك؛ لأنه ليس هناك أغيار، وليس هناك موت.
وكل إنسان في الدنيا يتمتع على قدر قدراته، وتصورات الخلق لأنواع النعيم تختلف باختلاف بيئاتها ومقاماتها، فقد تكون من الفلاحين؛ وكل متعتك أن تجلس على مصطبة أمام بيتك، وقد يكون عند إنسان آخر بيت فيه صالون كبير، والثالث له بيت فيه عدة صالونات، فكل واحد على قدر إمكاناته في الدنيا، ولكننا في الآخرة نتمتع كلنا على قدر قدرات الحق سبحانه وتعالى، ويكون متاعنا بقدرة لا تفوقها قدرة، ويكون الجزاء بقدر ما فعلْتَ من خير في الدنيا، واتبعت منهج الله.
إذن: فأنت الذي تحدد المساحة التي لك في الجنة، وتحدد المسكن وأنواع النعيم بقدر عملك.
ثم ما الذي يهددك في نعيم الدنيا؟
الذي يهدد الناس في الدنيا أحد شيئين: إما أن تزول عنهم النعمة فيفتقروا، وإما أن يزولوا هم عن النعمة بالموت. ولكن نعمة الآخرة ليس فيها هذا التهديد. إنها النعمة الخالدة وأهل الجنة فيها خالدون. لذلك يقال: يا أهل الجنة، خلود بلا موت ونعيم بلا بؤس.
ولقد زاد الحق تبارك وتعالى في وصف الخلود فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} والخلود بقاء طويل جدًا، والأبدية لا تنتهي. وسبحانه حين تكلم عن الخلود استثنى فيه، فقال سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ...} [هود: 108].
أيُّ سماء وأيُّ أرض تلك التي تحدَّث عنها الحق سبحانه وتعالى؟ هل هي السماء التي نراها؟ إننا نعلم أن الأرض التي نعيش عليها ستبدل وأن السموات ستمور. ولكن الحق سبحانه وتعالى حين يتحدث عن السموات والأرض بالنسبة للآخرة. فهو يتحدث عن السموات والأرض المبدلتين؛ مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسموات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].
إذن: فما دامت السموات والأرض ستتبدل، فالله سبحانه وتعالى يحدثنا عن السموات والأرض في الآخرة؛ غير حديثه عن السموات والأرض في الدنيا. ولكن بعض السطحيين يقول: إن القرآن يتحدث عن بقاء المؤمنين في الجنة ما دامت السموات والأرض؛ ثم يقول: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ} [التكوير: 1-3].
فكأن هذه الأرض التي نعيش فيها، والسماء التي تظلنا ستُدمَّر يوم القيامة، فلماذا يقول الحق: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض...} [هود: 108] فأين هو الخلود إذن؟
نقول لهؤلاء: اقرأوا القرآن كله لتعرفوا أن الحق سبحانه وتعالى قال: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسموات...} [إبراهيم: 48].
إذن: فهذه الأرض هي أرض معاش وما فوقها من سماء هي سماء معاش؛ ستتبدل بأرض مَعَاد؛ لأن الأرض التي نعيش عليها فيها مقومات الحياة بالأسباب، تزرع وتحصد وتصنع، أما في الآخرة فحياتك كلها بدون أسباب منك؛ ولذلك ساعة يخطر الشيء على بالك تجده أمامك دون أن تتحرك أو تحرث أو تزرع أو تتحمل أي مشقة. أما هنا في هذه الدنيا، الأرض أرض المعاش تنعم فيها وتأخذ منها بقدر إمكاناتك، ولكن أرض المعاد تأخذ منها بإمكانات الحق سبحانه وتعالى. ومهما ارتقت الدنيا وارتقت أسبابها، لا يمكن أن تصل إلى أنك يخطر على بالك الشيء فتجده أمامك. وسبحانه يقول: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} فكأنه استثنى بعض الناس من الخلود.
{فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ...} [هود: 106-107].
أي: أن الجنة والنار لهما خطان، وبمجرد أن يحاسب الإنسان، إما إلى الجنة وإما إلى النار، فإن كان الذي يحاسب من الكفار أو المنافقين، يكون بدء خلوده من أول لحظة دخل فيها النار ويبقى فيها خالدًا. وأما إن كان الذي يُحاسب مؤمنًا عاصيًا، فهو يدخل النار على قدر ما عمل من السيئات، ثم بعد ذلك يدخل الجنة.
إذن: فالذي دخل النار أولًا حالتان: حالة أبدية وهم المنافقون والكفار، وحالة مؤقتة وهم عصاة المؤمنين، والخلود في النار بالنسبة لعصاة المؤمنين ناقص من الآخر، أما الذين عملوا الصالحات فهم يدخلون الجنة ابتداء وخلودًا، أما عصاة المؤمنين فلا يدخلون إلا بعد أن يناولوا جزاءهم من العقاب. وبذلك يكون خلود عصاة المؤمنين في الجنة ناقصًا من البداية؛ لأنهم لم يدخلوها بعد الحساب مباشرة، وخلودهم في النار ناقص من الآخر؛ لأنهم لم يخلدوا فيها:
ويقول سبحانه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي: أن مساكن المؤمنين في الجنة ستكون أيضًا جنات خاصة بها، وكلمة {عَدْنٍ}؛ مادتها العين والدال والنون معناها الإقامة. وعَدَنَ في المكان، أي أقام فيه. إذن: فهي جنات إقامة؛ لأن هناك فارقًا بين أن تسكن في فندق مثلًا، أو في مكان مؤقت، وبين أن تقيم خالدًا.
وحين يعطي الحق سبحانه للمؤمن بُشْرى بأشياء، فهو يريد دائمًا ألا ننسى أنها منسوبة إلى قدرته سبحانه، والشيء يتناسب مع قدرة صاحبه أو فاعله. فالرجل الفقير حين يبني مسكنًا يكون المسكن متواضعًا؛ مجرد حوائط تستر الإنسان، أما صاحب الإمكانات الضخمة فيبني قصرًا كبيرًا، فإن كان واجد الوجود الأعلى هو الذي صنع، فكل شيء إنما يتم على مقتضى قدرته وإمكاناته؛ فهو الذي يمسك الأمور كلها، ويأتي تنفيذه لأي شيء وفق ما يريد.
إذن: فالخلود في جنات عدن خلود دائم، وهي جنات يعلو فيها التنعيم لدرجة من علوها لا يحب الإنسان أن يتركها أبدًا؛ لأنها أعلى مراتب الجنة ولا يوجد أحسن منها. والإنسان حينما يكون بمكان فإنه لا ينتقل منه إلا إذا زهد ما فيه، فلو كان في جنات عدن مما يُزْهَدُ فيه بعد فترة ما وصفها الله بهذا الوصف.
ولكي يصل الإنسان إلى النعيم لابد من موجد لهذا النعيم وهو الله سبحانه وتعالى، وما يتمتع الإنسان به وهو الجنة، والمنْعَمُ عليهم بالنعمة، وهم المؤمنون والمؤمنات. ومن أطاع الله طمعًا في الحصول على نعيم الله في الآخرة، يأخذ هذا النعيم. والذي أطاع الله لذات الله، ولأنه سبحانه وتعالى يستحق أن يعبد لذاته ويطاع، يكون في الآخرة مع التعظيم والتكريم والمحبة واللقاء بالمُنْعِم.